مقالات

علمتني الايام التطرف

بقلم معن بشور

علمتني الايام ان الغلّو ليس فيضاً في الإيمان، كما يتخيل بعض الجهلاء وقاصري النظر، بل هو في اغلب الاحيان نقص كبير في الإيمان يسعى صاحبه الى التعويض عنه بالمبالغة الاستعراضية، والتطرف اللفظي...
       وعلمتني الايام كذلك ان أكثر الناس استعداداً للتفريط هم الأكثر تطرفاً، وما زلت أذكر تعليقاً ظريفاً في زمن المد اليساري يصف بعض المتطرفين في يساريتهم بالقول "يسار اليسار... يمين"، وجاءت الأيام لتثبت في حالات عديدة صحة ذلك التعليق الظريف...
وبناء عليه، اخذ الحذر يتملكني من مغال او متطرف أصادفه ، بل كثيرا ما كنت  ارى متطرفا ينتقل  مع الزمن من الموقف إلى نقيضه، ومن الفكرة التي كان يعتنقها إلى عكسها تماماً.
وحاولت استجلاء أسباب هذه الظاهرة الخطيرة والمربكة في سلوك البعض وتكوينهم النفسي، لأكتشف ان التطرف هو سلاح دفاعي يلجأ اليه من يخشى ان يلاحظ الناس ضعف إيمانه، بل هو الوجه الآخر لليأس ، فكلما ازداد الفرد او الجماعة يأساُ كلما ازداد تطرفا... وهذا ما نراه بوضوح مع المجتمع الصهيوني الذي يزداد تطرفاً كلما زادت هزائمه واهتزت ثقته بالمستقبل...
هناك تحليلات نفسية متعددة لظاهرة الغلو او التطرف او التعصب المنبوذ في كل الاديان، لا سيما الاسلام، والتي هي رسالات رحمة وتسامح، بل ان المسلم يعتز ان دينه دين يسر لا دين عسر...
من هذه التحليلات ما يعيد هذه الظاهرة لنقص بنيوي، عقلي او عاطفي، في شخصة المتطرف او المتعصب الذي يعمد عادة الى معالجة هذا النقص او تغطيته بالهروب الى أمام، او بالتظاهر بما ليس فيه، ومن هذه التحليلات ما يعيد الظاهرة الى اختراقات العدو في نسيج المجتمع او الجماعة، فكلما ازداد عدد المتطرفين او المتشنجين ازدادت الخلافات والانقسامات داخل هذا المجتمع او تلك الجماعة....
وما زلت اذكر منذ ايام الدراسة ان اكثر المتطرفين، بغض النظر عن انتمائهم العقائدي او السياسي، كانوا الاكثر جبناً في مواجهة القمع او الصمود خلال تظاهرات دموية، بل انني لا أذكر واحداً من هؤلاء المتطرفين قد صمد في موقعه او موقفه او انتمائه بعد تخرجه من الجامعة.
التطرف الوجه الآخر لليأس، والغلو الوجه الآخر للتفريط، والتعصب الوجه الآخر لضعف الايمان...
هكذا علمتني الايام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى