مقالات

حرب غزة كان يجب أن تحصل. . .


أحلام بيضون

حرب غزة كان يجب أن تحصل. سيتفاجئ البعض بقولي هذا ربما، لكنه قول يصدر مغشى بالألم وتحدي العالم أن يكون متحضرا!
إن أول ما كشفته هذه الحرب هو خداع النظام الغربي، الذي فحم رؤوسنا بالكلام عن الحضارة والتمدن وحقوق الإنسان. إنه الغرب ذاته الذي قام بحروب دينية امتدت مئة سنة؛ إنه الغرب ذاته الذي أقام محاكم التفتيش؛ إنه الغرب ذاته الذي نفذ الهولوكست؛ إنه الغرب ذاته الذي أباد سكان أميركا واستراليا الأصليين واستولى على بلادهم؛ إنه الغرب ذاته الذي احتال على الصين واستولى على ذهبها وفضتها؛ إنه الغرب ذاته الذي نهب القارة الإفريقية؛ إنه الغرب ذاته الذي قام بجرائم ضد الإنسانية في الشرق الأقصى؛ إنه الغرب ذاته الذي ألقى قنابل نووية على اليابان؛ أنه الغرب ذانه الذي سبب دمارا هائلا للبشرية في حربين كونيتين؛ إنه الغرب ذاته الذي زرع شروشه في كل بقاع العالم كي يمتص رحيق الأرض، ويترك ساكنيها في عراء المجاعة والتخلف؛ إنه الغرب ذاته الذي جاء يزرع نفسه في قلب العالم العربي، فيمنعه من الاستقلال الحقيقي؛ وهو الغرب ذاته الذي يواجهه الشعب الفلسطيني اليوم؛ هو الغرب الذي يحاول من جديد أن ينتهي مع قضية الشعب الفلسطيني، فيقتلعه تماما من أرضه، وينزرع مكانه إلى الأبد، بكل وقاحة وقسوة وهمجية.

إن ما تقوم به آلة الصهاينة بتغطية كاملة من النظام الغربي المتوحش، هو محاولة أخيرة ربما للانتهاء مع الشعب الفلسطيني، والاستيلاء تمام على فلسطين.
لقد وجد الصهاينة في العملية التحررية البطولية التي قام بها المقاومون الفلسطينيون في ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، فرصة لتنفيذ خطتهم الجهنمية، محميين من القوى الغربية نفسها التي ساعدتهم لدخول بلادنا.

لو كان المحتل الصهيوني النازي لا يستهدف التخلص من الشعب الفلسطيني تماما، إما بالطرد وإما بالإبادة، لكان من أولى أولوياته تحرير أسراه لدى المقاومين الفلسطينيين مهما كان الثمن، والانتقال إلى التفاوض على حل نهائي لقضية مر عليها أكثر من ٧٥ سنة. لكن بدل من ذلك، أرسل سلاحه الجوي يهدم المنازل على رؤوس أصحابها، ويمسح أحياء بكاملها، ويطارد المواطنين الفلسطينين، ويأمرهم بالنزوح إلى جنوب القطاع، ثم يلحق بهم ويستهدفهم من جديد، كما أنه دعا علنا بأن يفتح معبر رفح كي يخرج منه الناجون من الفلسطينيين إلى سيناء، أو مصر بشكل عام.

لقد استهل العدو المجرم حربه على غزة بمنع الغذاء والماء والكهرباء والطاقة عن القطاع، دون أن يستثني المرافق المحمية كالمستشفيات وغيرها من مراكز الإيواء والعلاج، ولم يكتف بذلك، بل راح يستهدف تلك المستشفيات المكتضة بالجرحى والجثامين، بالإضافة إلى المواطنين الذين قصفت بيوتهم فاحتموا بها. ولعل أهم جريمة على هذا الصعيد هي استهداف مستشفى المعمدان، حيث قضى حوالي ٨٠٠ طفل وامرأة. وها وأنا أكتب هذه الكلمات أعلنت الفضائيات عن مجزة جديدة في حي الشجاعية راح ضحيتها أكثر من ٤٠٠ مواطن فلسطيني.

لقد أعلن العدو المتغطرس بصوت عال انه سيقضي على حماس، ولكن أيضا أعلن أنه سيسوي غزة بالأرض ويقلب أسفلها عاليها، من خلال تدمير شبكة أنفاق المقاومة.

بكل استبداد وطاغوط، جاء اليهود لممأ من كل أصقاع الأرض إلى فلسطين، قلب العالم العربي، وجثموا عليه يدوسونه بأقدامهم، ويضغطونه حتى الموت الحقيقي أو النفسي، فقضى البعض مستشهدا، وقضى البعض مستسلما، ولا زال البعض يقاوم.

لقد ظن العالم أن الأمر قد قضي، أمام إجرام الصهاينة النازيين الوافدين من أوروبا خصوصا، وأمام استقالة الأنظمة العربية عن واجبها تجاه شعوبها وقضاياهم، وسعيهم في الحد الأقصى لتنفيذ قرار التقسيم، فهؤلاء لا يمكنهم إلا مجارات الإدارة الأميركية التي تهدد وتنفذ وتعاقب، أما الشعوب فمكثت محبطة تنتظر نصرا من الله، وهي ليس بإمكانها التحرك أمام حدود مغلقة. ولكن كان هناك رجال أعاروا جماجمهم للّه، لا زالوا يؤمنون بأنه لا يضيع حق وراءه مطالب، وقد سخر الله لهم دولة آمنت بكتاب الله، ونصرة الشعوب المستضعفة ضد القوى المستكبرة، وأقصد الجمهورية الإسلةمية الإيرانية، فكانت ملاحم البطولة.

إن من أهم نتائج ملحمة السابع من أكتوبر ما يلي:
١- إعادة المسألة الفلسطينية إلى الواجهة، ليس في المنطقة فقط بل على صعيد العالم،
٢- إعادة المسألة الفلسطينية إلى أصلها، أي إلى عام ١٩٤٨، الذي يسمى عام النكبة، أي إلى الوقت التي كانت فلسطين تعرف كذلك، وتنتمي لأبنائها، بما فيهم أقليات يهودية. يوم أقيمت الدولة الصهيونية، ورفض وجودها الشعب الفلسطيني والشعوب العربية بأكملها.
٣- طوت عملية ٧ اكتوبر عصر النكسة وتاريخ العودة إليه كحد أقصى لاستعدة الشعب الفلسطيني لحقوقه
٤- مسحت عملية ٧ اكتوبر كل الأساليب الاحتيالية التي اعتمدها العدو لجعل وجوده طبيعيا في المنطقة، حين اعتقد أن العالم اقتنع أنه غير محتل غازي، وانه صاحب الأرض، وقضي على كل اتفاقيات الاستسلام والتنازل عن الحقوق، وعلى كل اتفاقيات التطبيع.
٥- أظهرت للعالم مدى إجرام العدو وساديته
٦- بينت للعالم مدى نازية العدو وعنصريته
٧- أظهرت للعالم مدى جبنه وضعفه، فقد راح يهاجم المدنيين بقصفهم بالطائرات والأسلحة الثقيلة، حتى قدر ما رمي على غزة بما يعادل قنبلتين من مثل قنبلة هيروشيما
٨- فضحت الأنظمة الغربية التي تقف وراء العدو وتساند عدوانه، وتغطي جرائمه، وتمنع معاقبته، وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، حيث تنافس قادة هذه الأنظمة للحج إلى الكيان المحتل واعلنوا دعمهم غير المشروط له، واعترفوا بأنهم والعدو واحد.
٩- فرزت العملية الأنظمة الدولية بين معسكر شر ومعسكر خير، فوقف مع الصهاينة ما يسمى الدول السبع الكبرى أو ذات النظام الرأسمالي المتوحش: الولايات المتحدة، فرنسا بريطانيا إيطاليا إلمانيا كندا واليابان وغيرهم، بينما وقف مع الشعب الفلسطيني على مستويات مختلفة شعوب العالم.
١٠- أكدت الملحمة من جديد مدى تخاذل الأنظمة العربية عن الدفاع عن حقوق شعوبها.
١٠- حركت العملية القسامية وما لحقها من جرائم حرب وحرائم ضد الانسانية، ومحاولات إبادة جماعية، وتهجير قصري، الرأي العام العالمي، ساعد في ذلك الاعلام المتاح ووسائل التواصل الاجتماعي، بعد أن كانت حقيقة ما يجري في فلسطين محجوبة عن الشعوب، بفعل الهيمنة على وسائل الإعلام.
أحلام بيضون
بيروت في ٨/١١/٢٠٢٣

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى